سما أطفال » قصص وحكايات » ما الذي أغضب الببغاء القرمزي؟!
يبدو أنني ببغاء محظوظ جداً، هل تعرفون لماذا؟. سأقول لكم حالاً، ولن أترككم تفكّرون في الأمر كثيراً كلغزٍ يبحث عن حل.
في إحدى زوايا محطة الباصات التي تزدحم بالمسافرين، وتحديداً قرب بوابة المقهى التي عادة ما يقضون بها وقتهم بانتظار انطلاق رحلاتهم. اعتاد أبو مهند الذي اقتناني منذ عامين ونصف العام أن يقف، فيما أقفُ أنا على أحد سَاعدَي يديه، ويحمل في يده اليسرى هاتفاً متحركاً (جوالاً) للتصوير.
عادةً ما أسترعي انتباه المسافرين كباراً وصغاراً، وهم يتأملون منقاري المِعوج وريشي الملون. لكن أكثر ما يشدهم إليّ، هو عباراتي التي علّمني أبو مهند أن أرددها من حين لآخر للترحيب بالمسافرين، ودعوتهم لالتقاط صورٍ تِذكارية معي.
ورغم أنني مشهورٌ بتقليد أصوات بني البشر، وترديد العبارات التي يتلفظون بها بأسلوبٍ مُضحِك، إلا أنّ الأطفال الذين يكونون بصحبة أسرهم، أصبحوا هم من يتفننون بتقليد صوتي، ويتقنون أداء حركاتي بمهارة، ويحاكون العبارة المشهورة التي أكرّرها مراراً ببراعة: مرحباً بكم .. مرحباً بكم .. أجمل اللقطات وأغلى الذكريات مع الببغاء القرمِزي، صورةٌ تبقى معكم طوال العمر.
أكونُ في العادة نشيطاً ومتجاوباً مع أبي مهند، لأنني مقارنة بغيري أتحرّرُ من قفصي الضيق طيلة النهار، وأحظى بأفضل الرعاية وأطيب المأكولات، كحبّ عباد الشمس والفواكه والسمك، ولكنّ الأفضل من هذا كلّه هو إحساسي بالسعادة الغامرة؛ لأني أدخل السرور على قلوب الأطفال، عندما يتحلقون حولي، أو يأخذون صوراً تذكارية معي.
أما صاحبي أبو مهند فيشعر بالامتنان لي، لأنني أدرُّ عليه دخلاً مناسباً، فهو مقابلَ كل شخص يرغب بأخذِ صورة معي -وهو يحملني على ساعده أو كتفه- يتقاضى أبو محمد مئة ليرة.
مساء هذا اليوم عدتُ إلى البيت وأنا غاية في الحزن والانزعاج، لأنّ أبا مهند رفض أن يلتقط ممدوح ابن الثالثة عشر عاماً صورة معي مجاناً، وشعرت بقسوة أبي مهند وجشعه، لأنه رفض حتى التقاط هذه الصورة بخمسين ليرة.
لممدوح مكانة خاصة في قلبي، لأنّني اعتدتُ رؤيته منذ عام يومياً، يبيع “الترمس” في محطة الباصات بعد الانتهاء من مدرسته. أحببتُ نظرته البريئة وابتسامته الصافية، وهو يتأمل منظر الأطفال حولي، وكنت أقلّده وهو يقول ” ترمس يا أولاد ..ترمس يا أولاد”، كلما اقترب مني، وأفرحُ عندما يتمكن من إقناعهم بالشراء منه، وأتألمُ لأنه اضطر للعمل بعد موت أبيه اضطراراً.
صحوتُ مبكراً في اليوم التالي، قررتُ أن أنتقم لكرامة ممدوح، فرفضتُ الخروج وتشبثتُ بقفصي. لكنّ أبا مهند أخرجني مُرغَماً، وعندما حان وقت التصوير، كان لي ما أريد ونجحتْ خطتي، فقد كنتُ أُدير ذيلي كلّما حانت لحظة التقاط الصور. انزعج أبو مهند واعتذر لزبائنه مراراً، ثم لوّح بمنع الأكل عني، فلم أكترث لتهديده.
وعلى مدار أسبوع كنت أكرّر ما قمت به يوم أمس، فاستشاط أبو مهند غضباً، ثم قال وقد أمسك برقبتي : لقد طفّشتَ كلّ زبائني، وقطعتَ أسباب رزقي، أَفهِمني ما الذي غيرك عليّ أيها الببغاء المشاكس؟!
ـ أعودُ كما كنتُ عليه بشرط !
ـ ما هو؟
ـ أن تسمح لممدوح بأن يأخذ صورة معي مجاناً.
ـ موافق.
ـ ليس هذا فقط؛ وإنما توافق بأن يتصور كل طفل غير مقتدر، مجاناً أو بسعر مُخفّض.
ـ أيضاً موافق.
عاد الببغاء لسابق نشاطه وحيويته، وكانت أول صورة التقطها مع ممدوح، بينما كان يقلَّد صوته: ” ترمس يا أولاد ..ترمس يا أولاد”.
*منقول عن مجلة طيارة ورق
أصدقاء(سما أطفال)
0تعليقات Blogger