قصص وحكايات:سر الصدى


التفت العاملُ إلَى الأُستاذ جَلال وهُو يقولُ : لَقد انتهَينا منْ نقلِ الأثاثِ هيا العربة جاهزة.
التفتَ الأستاذ جلال إلَى ابنه الصغير سعيد قَائلاً: كلُّ شىءٍ يهونُ .. بعدَ قليلٍ سَتنام فِى أَمانٍ فِى بَيتِنا الجَديدِ.
قالتْ زَوجتهُ فِى حُزنٍ شديدٍ حَقا إِنَّ الفراقَ صعبٌ جداً .. هُنا مَكانُ ذِكرياتِنَا الجميلةِ 
ربتَ الأبُ عَلى كَتفِها وقالَ : لاَ تَحزنِى يَا عَزيزتِى هَذا قضاءُ اللهِ ويجبُ أنْ نَرضَى بهِ.. فالبيتُ لاَبدَّ أنْ يُزال.. إنهُ قديمٌ جدّاً ورُبمَا ينهارُ .. عَلى العُمومِ اطمئني فالبيتُ الجديدُ واسعٌ أيضًا كَما أنَّنا نحنُ الذينَ نصنعُ ذكْرياتِنا بالمَحبةِ والإِخْلاصِ.


نظر سعيد حَوله بذُهولٍ وهو لاَ يكادُ يُصدقُ نفسَه فَهاهوَ يرى بَيته فَارغاً لأولِ مَرةٍ.. أَخذ يَمشِى ببطءٍ وهو ينظرُ إلَى كُلِّ شىءٍ حَوله كأنَّه يودعهُ.. اقترب مِن حُجرته وفتح البابَ بهُدوءٍ ليُلقِى عَليها النظرةَ الأخِيرةَ.. وكَانت المُفاجأةُ..
لقدْ رأى حصانه اللعبة عَلى الأرضِ فِى أحدِ الأرْكانِ وقدْ نسيه الجميع. فَصرخ بفرحةٍ شَديدةٍ.. حصاني.. حصاني.
.. فترددَ صوتُه بنفسِ الطريقةِ مرةً أخرى؟ حصاني.. حصاني
فانتفض وأخَذ يجرِى نحوَ والدِه الذِي احْتضنَه وقالَ: مَاذا بكِ يا سعيد لمَاذا أنتِ خَائف؟ قال سعيد وهو مَا يزالُ يتلفتُ حَوله: انظُر يَا أبِى.. هُناكَ شخصٌ يرددُ صَوتِى .. كلَّما نَاديتُ حصاني نَاداه مثلي .. فقالَ لَه الأبُ بتعجُبٍ : أينَ هُو ؟
فَأشار سعيد نحوَ الحُجرةِ وهو يَرتجفُ.


ضحكَ الأبُ وقالَ لَه: انظرِ إِنهُ هُنا أَيضًا .. ثُم قالَ بصوتٍ عالٍ: سعيد. فترددَ الصوتُ سعيييييد ... انتفَض سعيد قائلا: مَا هَذا يَا أبِى .. هلْ يُوجدُ أحدٌ غَيرنا؟ أينَ هُو..؟ ضَحكتْ الأمُّ وهِى تُمسكُ بيدِه وَقالتْ: .. هَذا هُو صَدى الصوتِ يَا بني.
زادَ تعجبُ سعيد وَقالْ: وَما هُو صَدى الصوتِ يَا أمِّى..؟
فَقاطعهُما الأبُ قَائلاً: لنلحقَ بالسيارةِ التِى تَحملُ الأثاثَ أَولاً.. وهُناكَ فِى بيتنَا الجديدِ سَأحكِى لكِ حكايةَ الصدَى.
انطلقتْ السيارةُ التِى تحملُ الأثاثَ تقطعُ الطريقَ نحوَ البيتِ الجديدِ.

وفِى مَدينةٍ جديدةٍ، وأمامَ بيتٍ جَديدٍ تَوقفَت السيَّارةُ .. حمل العُمالُ الأثاثَ إلى الشقةِ وسعيد مَازال حائرًا يريد أن يعرفَ مَا هُو سِر الصدَى.. ولماذَا يسْمعُ صوتَه يَترددُ.
مَضتْ ساعاتٌ وقدْ تَناسَت الأمُّ بيتَها القديمِ وأخذتْ تُؤدى دَورَها فِى تَنظيفِ البيتِ وتَرتيبهِ .. أمَّا الأبُ فَقدْ كانَ كعَادتهِ مَشْغولاً بترتيبِ مَكتبهِ وسعيد لاَ يُفارقهُ .. يساعدهُ فِى حَملِ الكُتبِ.. وعينَاه لاَ تكفانِ عنْ قراءةِ العناوينِ المَكتوبةِ عَلى الكتُبِ لعلَّه يجدُ عُنواناً عنِ الصدَى.
وأخِيراً قالَ الأب لَه: أَعرفُ مَا تبحثَ عنهُ.. رغمَ أنهُ أمامكِ .. فقال سعيد عَلى الفَور: أينَ هُو .. أينَ كتابُ الصَدى؟ 
فقالَ الأبُ: ليسَ ضَرورياً أنْ يكونَ الصدَى هُو عُنوانُ الكتابِ إنَّه كتابُ الظواهرِ الطبيعيةِ .. فالصدَى إحْدى الظواهِر الطبيعيةِ فِى الكَونِ. 
فقال سعيد: ولكنْ مَا فائدتُه يَا أَبِى؟


أمسكَ الأبُ الكتابَ وقالَ انظرِ يَا سعيد إلَى حَوضِ الأسْماكِ سَأقذفُ هَذهِ الحَصاةَ فِى الماءِ .. انظُرِ إِنَّها تُحدثُ دَوائرَ حَولهَا فِى الماءِ.. وكأنَّها حرَّكت صفحةَ الماءِ.
هَكذا الصوتُ أيضًا هذه الدوائرَ تحدث فِى الهواءِ .. و نُسميها أمواجَ الصوتِ.
فالصدَى يَحدثُ عنْدما تصطدمُ أمواجُ الصوتِ بحَاجزٍ يَعكسُها.
تعجب سعيد وقَال: ومَا هُو الحاجزُ الذِى يُمكنُه أنْ يعكسَ الصوتَ يَا أبِى..؟ 
أَشارَ الأبُ إلَى صُورةٍ فِى الكتابِ وقالَ: 
هَذا الحاجزُ .. قدْ يكونُ صخرةً، أو جَبلاً .. أَو جِدارًا عَاليًا وسَماعُنا لِلصوتِ المُنعكسِ هُو الصَدى، والوقتُ الذِى يكونُ بينَ الكلامِ والصدَى هُو الفاصلُ الزمنِى الذِى تستغرقهُ أمواجُ الصوتِ فِى انتقِالهَا، لِتصطدمَ بالحَاجزِ ثُم تعودُ إلَى قَائِلها.
والصدَى أَيضًا أَخفتُ منَ الصوتِ الأصْلىِّ وأضعفُ لأنَّ أمواجَ الصوتِ تفقدُ منْ طَاقتِها الكثيرَ عِنْدما تنتقلُ منَ الفَمِ إلَى الحَاجزِ وتعودُ إلينَا. 
ضَحك سعيد وقال: إِذًا لقدْ كانَ صَوتِى أنَا هُو الذِى أَخافنِى سُبحانَ اللهِ .. ولكنّكَ قلتَ لي من قبل إنّ اللهَ خلقَ كلَّ شىءٍ لسببٍ يعلمهُ سُبحانهُ وتَعالى .. ولكَى نكتشفَ قُدرتَه فيهِ.


أعجب الأبُ بذكاءِ سعيد ومُحاولتِه فِى أنْ يربطَ كلَّ شىءٍ تعلمهُ بقُدرةِ اللهِ .. 
فقالَ الأبُ: نَعم يَا بنى .. لقدِ استفادَ الإنسانُ منَ الصدَى فِى الحُصولِ عَلى البترولِ ومَعرفةِ أماكنهِ.
فكَما تَعلم أنَّ البترولَ يكونُ تحتَ طَبقاتِ الأرضِ السفْلى، والمُنقبونَ عنِ البترولِ يَحفرونَ تحتَ الأرْضِ ويضعُونَ المتفجراتِ ويقُومونَ بنسفِ العبواتِ المتفجرةِ تحتَ سطحِ الأرضِ فَترسِل أصْواتًا نحوَ طبقاتِ الأرضِ السفْلَى .. وبالطبعِ الأصواتُ ترتدُّ فِى شَكلِ صَدى والباحثونَ يستخدمونَ جهازَ "السِيزمُوغراف" الذِى يفرقُ بينَ صوتِ الصدَى الناتجِ عنْ طبقةٍ عاديةٍ أوْ فِى طبقةٍ نفطيةٍ "أىْ بترُوليَّة".
وبَهذهِ الوَسيلةِ يعرفُ الجيُولوجيونَ كيفَ يُحددونَ مناطقَ الزيتِ.. ويَقترحونَ أفْضلَ المواقعِ للحَفرِ واسْتخراجِ البِترولِ.
ابْتسم سعيد فِى ذُهولٍ وقال : سُبحانَ اللهِ .. علَّم الإنسانَ مَا لمْ يعلمْ يَا لَها منْ طَريقةٍ للحُصولِ عَلى الكُنوزِ.
قال الأب: هلْ تَعلم أيضًا أنَّ الصدَى يُستخدمُ فِى مَراكبِ الصيدِ.
فهناكَ صوتٌ خَاص، عِبارة عَن مَوجاتِ صوتيةٍ لاَ تَستطِيع الأذنُ سَماعَها ولذلكَ نُسميها الموجاتِ فوقَ الصوتيةِ أوْ فوقَ السمْعيةِ .. فهِىَ مَوجاتٌ أَعلى بكثيرٍ منْ أى صَوتٍ آخَر يُمكنُ لأذنيكِ سَماعَهُ. ويُستخدمُ تحتَ الماءِ لاكْتشافِ الأشْياءِ التِى لاَ نستطيعُ رؤيَتها. واكتشاف أماكن تجمع الأسماك.
وهُنا انفتحَ البابُ فجأةً ودخَلتْ الأمُّ وهِىَ تَقولُ بسعادةٍ: هيَّا يَا أحِبائِى لقدْ أعددتُ لكُم الغدَاءَ سَمكًا شَهيًا ... ضَحِك الأبُ هو وسعيد بينمَا تَعجبتِ الأمُّ.

تاليف وكتابة : عبد الرحمن بكر
رسوم : فاطمة الزهراء كمال
المصدر:مجلة سمير 



أصدقاء(سما أطفال)
تعليقات Facebook
0تعليقات Blogger